ومن ذلك الدعاء للصغير:
وهذا هو هدي الأنبياء والصالحين؛ فعباد الرحمن يقولون: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان: 74]، وزكريا يقول: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً} [مريم: 5]، وإبراهيم يقول: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات:100]، ويدعو لهم بصلاح العقيدة: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35]، ويدعو لهم بأن يكونوا مقيمين للصلاة: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [إبراهيم: 40].
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجت معه حتى أتينا سوق بني قينقاع، ثم انصرف فأتى بيت عائشة ثم قال: أَثَمَّ لُكَع ـ يعني حسينًا ـ وظننت أن أمه حبسته تغسله أو تلبسه سِخابًا، فلم يلبث أن جاء يشتد فعانق كل واحد منهما صاحبه، ثم قال: اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه. قال ابن مفلح: لُكَع هنا: الصغير، والسخاب بكسري السين: جمعه سخب، القلادة من القرنفل والمسك والعود ونحوها من أخلاط الطيب يُعمل على هيئة السبحة ويجعل قلادة للصبيان والجواري، وقيل: خيط يسمى سِخابًا لصوت خرزه عند حركته من السَّخب ويقال: الصَّخب وهو اختلاط الأصوات. وفيه جواز لباس الصبيان القلائد والسخب من الزينة.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: 'ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: 'اللهم علمه الكتاب' وفي رواية: 'اللهم علمه الحكمة' وفي أخرى: 'الله فقهه في الدين'.
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأخذني ويُقعدني على فخذه ويُقعد الحسن على الأخرى، ثم يضمنا، ثم يقول: اللهم ارحمهما؛ فإني أرحمهما، وفي رواية: 'اللهم إني أحبهما فأحبهما'.
أما الدعاء عليهم فقد ورد النهي عنه في حديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [[لا تدعو على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم؛ لا توافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاء فيستجيب لكم]].
ومن ذلك ممازحتهم وتفريحهم:
فقد كان صلى الله عليه وسلم يمازح الصغار؛ فقد قال لأحدهم: [[يا ذا الأذنين]]، ومجَّ صلى الله عليه وسلم الماء في وجه محمود بن الربيع وهو ابن خمس سنين، وقال لأحدهم: [[يا أبا عمير ما فعل النغير]].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى الثمر أُتي به فيقول: [[اللهم بارك لنا في مدينتا وفي مُدِّنا وفي صاعنا بركة مع بركة]] ثم يعطيه أصغر من بحضرته من الولدان.
ومن ذلك إردافهم على الدابة؛ فقد قال عبد الله بن جعفر رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر تُلُقّيَ بالصبيان من أهل بيته. قال: وإنه قدم مرة من سفره فسيق بي إليه فحملني بين يديه، ثم جيء بأحد ابني فاطمة إما حسن وإما حسين فأردفه خلفه. قال: فدخلنا المدينة ثلاثة على دابة'. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة استقبله أغيلمة بني عبد المطلب فحمل واحدًا بين يديه وآخر خلفه.
ومر ابن عمر رضي الله عنهما في طريق فرأى صبيانًا يلعبون فأعطاهم درهمين.
وعن سعيد بن عمرو ـ في قصة قدوم خالد بن سعيد وعمرو بن سعيد من الحبشة ـ وفي آخره قال: ومع خالد ابنة عليها قميص أصفر، فقال لها: اذهبي فسلمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فانكبت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلت تريه قميصها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: سنه سنه ـ قال: حسن بلغة الحبشة ـ أبلي وأخلقي ثم أبلي وأخلقي.
السماح لهم باللعب فهو ربيع الصغار:
عن أبي هريرة رضي الله عنه: 'أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء فأخذ الحسن والحسين يركبان على ظهره؛ فلما جلس وضع واحدًا على فخذه والآخر على فخذه الأخرى...'. وفي حديث شداد بن الهاد ـ رضي الله ـ عنه أنه رأى الحسن أو الحسين على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فأطال السجود، فلما قضيت الصلاة قال الناس: يا رسول الله, إنك سجدت بين ظهراني صلاتك هذه سجدة قد أطلتها فظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك. قال: [[فكل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني، فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته]]. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي والحسن والحسين يثبان على ظهره فيأخذهما الناس فقال: دعوهما بأبي هما وأمي، من أحبني فليحب هذين'.
وعن عبد الله بن الحارث رضي الله عنه قال: كان صلى الله عليه وسلم يصف عبد الله وعبيد الله ـ من بني العباس ـ ثم يقول: من سبق إلى كذا فله كذا وكذا، قال: فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبِّلهم.
وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان من أفكه الناس مع صبي.
ونقل ابن مفلح عن ابن عقيل أنه قال: 'والعاقل إن خلا بأطفاله خرج بصورة طفل، ويهجر الجد في ذلك الوقت'.
وقد عزل عمر واليًا؛ لأنه لا يلاعب أطفاله.
وعندما تزوج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عائشة رضي الله عنها كانت صغيرة؛ ولذلك كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعطيها حقها من اللهو؛ فقد أذن لها برؤية الحبشة وهم يلعبون بالحراب في المسجد، وسابقها مرة فسبقته، ثم سابقها بعد أن حملت اللحم فسبقها، فقال صلى الله عليه وسلم: [[هذه بتلك]].
وعن عقبة بن الحارث قال: رأيت أبا بكر رضي الله عنه يحمل الحسن بن علي ويقول:
بأبي شبيه بالنبي ليس شبيهًا بعلي
وعلي معه يتبسم، قال الحافظ في الفتح: وكان عمر الحسن إذ ذاك سبع سنين.
وعن عكرمة قال: ختن ابن عباس بنيه، فأرسلني فجئته بلعَّابين فلعبوا وأعطاهم أربعة دراهم.
وعن الحسن أنه دخل منزله وصبيان يلعبون فوق البيت ومعه عبد الله ابنه فنهاهم فقال الحسن: دعهم فإن اللعب ربيعهم.
وعن إبراهيم النخعي قال: كانوا يرخصون للصبيان في اللعب كله إلا بالكلاب.
وقد ذكر البيهقي بابًا فيما ورد من لعب الصبيان بالتراب.
وورد عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تلعب بالأرجوحة مع صاحباتها قبل دخول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بها.
وفي حديث الجاريتين أنهما كانتا تغنيان وتضربان بالدف عند عائشة رضي الله عنها في العيد من أيام منى.
كما ورد عنها ـ رضي الله عنها ـ أنه كان لها فرس له جناحان، وفي الصحيحين عنها رضي الله عنها قالت: 'كنت ألعب بالبنات عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان لي صواحب يلعبن معي فكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا دخل ينقمعن منه فيُسَرِّبُهن إليَّ فيلعبن معي'. قال النووي: قال القاضي: فيه جواز اللعب بهن وهن مخصوصات من الصور المنهي عنها لهذا الحديث، ولما فيه من تدريب النساء في صغرهن لأمر أنفسهن وبيوتهن وأولادهن، وقد أجاز العلماء بيعهن وشراءهن... ثم قال: ومذهب جمهور العلماء جواز اللعب بهن. وقال ابن حجر نحو هذا الكلام وأضاف: جزم القاضي عياض بتخصيص لعب البنات من عموم النهي ونقله عن الجمهور.
قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ: 'إن كانت لعب الأطفال المجسمة كخلق الإنسان فاجتنابها أولى، ولكن لا أقطع بالتحريم؛ لأن الصغار يرخص لهم ما لا يرخص للكبار في مثل هذه الأمور؛ فإن الصغير مجبول على اللعب والتسلي وليس مكلفًا بشيء من العبادات حتى نقول: إن وقته يضيع عليه لهوًا وعبثًا...'.
ويجوز لعب الأطفال ببعض الحيوانات والطيور إذا لم يكن فيه أذى لهم؛ ففي الصحيحين عن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لأخ لأنس: [[يا أبا عمير! ما فعل النغير؟]]، وقد ذكر العلماء في فوائده: جواز لعب الصغير بالطير، وجواز ترك الأبوين ولدهما الصغير يلعب بما أبيح له اللعب به، وجواز إنفاق المال فيما يتلهى به الصغير من المباحات، وجواز إمساك الطير في القفص ما دام يطعمه ويسقيه. وأشار بعض أهل العلم إلى جواز قص جناح الطير حتى لا يطير.
التوسعة عليهم عند اليسار:
وهذا داخل في عمومات النصوص التي منها: [[خيركم خيركم لأهله]] وحديث: [[إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده]]، ومن أوْلى ما يدخل في ذلك التوسعة على الأولاد باللبس الحسن والطعام الحسن بل وتطييبهم بأنفس الطيب. قالت أم أبي محمد التمار: ربما حملنا أولاد أيوب فعبق لنا من ريحهم ريح المسك أو الطيب.
حقوق الصغار:
من ذلك تشميت الصغير إذا عطس، قال ابن مفلح رحمه الله: روى عبد الله بن أحمد عن الحسن أنه سئل عن الصبي الصغير يعطس؟ قال: يقال له: بورك فيك. وقال صاحب النظم: إن عطس صبي عُلِّم الحمد لله، ثم قيل له: يرحمك الله، أو بورك فيك ونحوه، ويعلم الرد. وإن كان طفلاً حمد الله وليه أو من حضره، وقيل له نحو ذلك. ومال ابن مفلح إلى أنه لا يقال عنه: الحمد لله؛ لأنه غير مكلف، ولأن العبادة البدنية المحضة لا تُفعل عن الحي، كما أنه لم يُنقل عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا عن أصحابه استحباب ذلك مع توافر الهمم على نقله.
ومن حق الصغير أن يُسلَّم عليه؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: 'كنت مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فمر على صبيان فسلم عليهم'.
ومن ذلك أن يُستأذن عليه عند الدخول؛ فقد قال جابر رضي الله عنه: 'يستأذن الرجل على ولده وأمه وإن كانت عجوزًا، وأخيه وأخته وأبيه'.
ولا يقدَّم عليهم في حقهم إلا بإذنهم؛ فعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أُتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: [[أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟]] فقال الغلام: والله يا رسول الله، لا أؤثر بنصيبي منك أحدًا، فتلَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده'.
ومن ذلك أنه لا يجوز أن يُكْذَب عليهم؛ فعن عبد الله بن عامر رضي الله عنه قال: 'أتانا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في بيتنا وأنا صبي، قال: فذهبت أخرج لألعب، فقالت أمي: يا عبد الله، تعالَ أُعطك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [[وما أردت أن تعطيه؟]] قالت: تمرًا، فقال: [[أما إنك لو لم تفعلي كُتبت عليك كذبة]], وصح عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: [[إن الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل، ولا أن يعد الرجل ابنه ثم لا ينجز له]].
أخذ العلم عن الصغار إن كانوا أهلاً لذلك:
قال ابن عيينة: الغلام أستاذ إذا كان ثقة. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن العلم ليس عن حداثة السن ولا قدمه، ولكن الله يضعه حيث يشاء. وفي البخاري عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: كنت أُقِرئ رجالاً من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف، قال ابن الجوزي في كشف المشكل: فيه تنبيه على أخذ العلم من أهله وإن صغرت أسنانهم أو قلَّت أقدارهم. وقد كان حكيم بن حزام يقرأ على معاذ بن جبل فقيل له: تقرأ على هذا الغلام الخزرجي؟ فقال: إنما أهلكنا التكبر.
قال ابن مفلح رحمه الله: والأوْلى أن لا يحدِّث حتى يتم له أربعون سنة إلا أن يُحتاج إليه؛ فقد حدَّث بُندار ولـه ثلاث عشرة سنة، وحدث البخاري وما في وجهه شعرة. وقد قال سمرة بن جندب: 'لقد كنت على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ غلامًا فكنت أحفظ عنه؛ فما يمنعني من القول إلا أنّ هاهنا رجالاً هم أسن مني' متفق عليه.
تقويم سلوك الصغار:
قد يظن ظان أن أسرع طريقة للتقويم الضرب وهو مخالف للهدي النبوي؛ كما أن الدراسات الحديثة أثبتت أن استخدام الوسائل الأخرى أكثر تقويمًا للسلوك. ولنتأمل في هذه القصة التي رواها أحمد أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خرج إلى طعام كان قد دُعي إليه مع بعض أصحابه، فاستقبل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمام القوم وحسين مع غلمان يلعب، فأراد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يأخذه، فطفق الصبي هاهنا مرة، وهاهنا مرة، فجعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يضاحكه حتى أخذه، فهذه وسيلة سهلة توصل إلى المقصود.
ومن الأساليب أيضًا العتاب الرقيق؛ فقد قال أنس بن مالك رضي الله عنه: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أحسن الناس خُلُقًا، فأرسلني يومًا لحاجة، فقلت: والله لا أذهب ـ وفي نفسي أن أذهب لما أمرني نبي الله صلى الله عليه وسلم ـ قال: فخرجت حتى أمرَّ على الصبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قابض بقفاي من ورائي، فنظرت إليه وهو يضحك فقال: يا أنيس، اذهب حيث أمرتك. قلت: نعم، أنا ذاهب يا رسول الله.
ولا يشك مؤمن ما للدعاء من أهمية في صلاح الصغار، وهو ما كان يوصي به المصلحون أولياء الصغار؛ فقد شكا أحدهم ابنه إلى طلحة بن مصرف فقال: استعن عليه بهذه الآية: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي} [الأحقاف: 15].
والضرب وسيلة تقويم وقبلها وسائل، وقد ورد الأمر بتعليق العصا في البيت.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت في أدب اليتيم: إني لأضرب اليتيم حتى ينبسط، أي يعتدل. وقال الإمام أحمد: اليتيم يؤدب ويضرب ضربًا خفيفًا.
وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يكتب للأمصار: لا يقرن المعلم فوق ثلاث؛ فإنها مخافة للغلام ـ يعني لا يجمع ثلاث ضربات. وسئل الإمام أحمد عن ضرب المعلم للصبيان، فقال: على قدر ذنوبهم، ويتوقى بجهده الضرب، وإن كان صغيرًا لا يعقل فلا يضربه.
وليعلم أن الأمور لا تؤتى غلابًا كما قال الشاعر، وإنما التدرج مطلوب في التقويم؛ فقد نقل الحافظ عن سعيد بن جبير الحث على التدرج في أخذ الطفل بالجد، وهذا يتمشى مع الحكمة التي جاءت بها الشريعة، وطبيعة النفس الإنسانية التي تستثقل أخذها بالعزيمة بلا تدرج.
الإنكار عليهم:
جاءت النصوص بالأمر بالإنكار على الصغار إن ارتكبوا محرمًا؛ فعن عمر بن أبي سلمة، قال: كنت في حِجْر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي: [[يا غلام، سمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكل مما يليك]].
وقال سنان بن سلمة: كنت في غلمة بالمدينة نلتقط البلح، فأبصرنا عمر وسعى الغلمان وقمت، فقلت: يا أمير المؤمنين، إنما هو ما ألقت الريح. قال: أرني أنظر. فلما أريته قال: انطلق. قال: قلت: يا أمير المؤمنين, ولِّ هؤلاء الغلمان، إنك لو تواريت انتزعوا ما معي. قال: فمشى معي حتى بلغت مأمني.
ودخل أبو هريرة رضي الله عنه مرة المسجد يوم الجمعة، فوجد غلامًا، فقال له: يا غلام، اذهب العب. قال: إنما جئت إلى المسجد. قال له: يا غلام، اذهب العب. قال: إنما جئت إلى المسجد. قال: فتقعد حتى يخرج الإمام؟ قال: نعم. وكأنه خشي أن يلعب في المسجد في أول الأمر فلما تأكد من أنه جاء لقصد العبادة تركه.
روى سعيد بن جبير أنه كان مع عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ في الطريق؛ فإذا صبيان يرمون دجاجة، فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ فتفرقوا، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من مثَّل بالحيوان.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: 'فإن ما حرم الله على الرجل فعله حرم عليه أن يُمكِن منه الصغير، وقد رأى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ثوبًا من حرير على صبي للزبير فمزقه، وقال: لا تُلبِسوهم الحرير'. ومزق ابن مسعود رضي الله عنه قميصًا من حرير على أحد أولاده، وقال: قل لأمك تكسوك غير هذا.
وقال الموفق في المغني: ويتجنب الثياب التي عليها تصاوير أو صلبان.
اختيار أصحابهم:
قال علي بن جعفر: مضى أبي إلى أبي عبد الله ـ يعني الإمام أحمد ـ وذهب بي معه، فقال له: يا أبا عبد الله، هذا ابني. فدعا لي، وقال لأبي: الزمه السوق، وجنبه أقرانه.